من كلّ بستان زهرة… من بستان الرّواية

اخترت لكم هذا النصّ من رواية “ياسمين العودة” للأديبة التونسيّة خولة حمدي

كانت تدفع عن قلبها إحساسا مريعا مؤلما بأنها قد فقدته منذ يومين.. تلك الجلسة العائليّة غير المألوفة التي جمعت ثلاثتهم، بدت مثل لحظات وداع. لكنّها لم تستشفّ ذلك على الفور

احتاجت ليلتين من الترقّب ونفقا غزيرا من دمع العين لتدرك أنه استيقظ ليلقي نظرة على ولده ويزوّدها بدقائق قليلة من صحبته قبل أن يعود إلى غياهب الظلمات التي ابتلعته تستلقي على مخفة الطوارئ التي جيء بها من أجلها بعد أن انخفض ضغطها وفقدت وعيها تهمس فاطمة في أذنها بين نشيجها وشهقاتها إنّها الشهادة يا صغيرتي

الشهادة لقد نال ما يدفع العمر في سبيله كانت تصغي إلى صوتها الدافئ النديّ بنصف وعي وقد استولى الضباب على عقلها ووهن جسدها. استكانت على السرير لا تحرّك ساكنا إلاّ من عبرات استمرّت في الهطول بلا هوادة منها.. ثمّ غفت غفوتها رأته كان وجهه مضيئا، وفي عينه إشراقة نابضة بالحياة

كانت ما تزال ممددة بلا حراك على سريرها فاقترب منها هيثم حتّى جثا على ركبتيه بالقرب منها. شعرت بملمس راحته وهو يتحسّس جبينها ثمّ يهمس مواسيا كوني قويّة… من أجل عزّ الدّين يتنامى الألم المبرح في صدرها، فيشقّه تتصاعد الآهة قادمة من أعماقها، حتّى إذا لفظتها شفتاها، خرجت طويلة وخافتة مثل أنين المحتضر لست قويّة

لقد كنت قويّة بك فمن أين تأتيني القوّة الآن؟ رنت إلى عينيه في ضعف … في نظرته ثقة وشجاعة من الأمومة.. أنت أمّ إذن أنت قويّة

بقلم شيماء بو عبد الله

مقال من مجلة أكادمية لقمان الخاصة الإصدار الثامن

Add your thoughts

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

0 Shares
Share
Tweet
Pin