هل علينا تفادي معاقبة الطفل بالكلية؟

هل علينا تفادي معاقبة الطفل بالكلية؟

لقد رأينا في مقال سابق أضرار العقاب البدنية والمعنوية، وسنحاول في هذا المقال الإجابة على ثلاثة أسئلة متعلقة بنفس الموضوع، وهي:

متى تصيرُ العقوبة ضارة؟
ما هي معايير العقوبة الفعّالة؟
هل يجب الامتناع عن عقاب الطفل بالكلية؟

متى يصبح العقاب خطرا؟

بكلّ صدق، من منا لم يُسبَقْ له أن ضُرب من قبل والديه أو معلميه في المدرسة؟ جلنا ذاقَ ألم العصا على أطراف الأصابع لأنه لم يقم بواجباته المدرسية أو لم نحفظ بعض محفوظاته عن ظهر قلب، ومع ذلك لا زلنا أحياء، بل كثيرٌ منا حقق النجاح المأمول في حياته… نَعَمْ، أحسسنا بألم الضرب بالتأكيد، ولكن ذلك لم يقتلنا!

قد يصبح التوبيخ ضارًا إذا كان قاسًيا جدًا، وهذا يختلف بحسب الشخص المُعَاقَـب.

فيما يلي بعض الأحوال التي ينبغي اجتناب معاقبة الطفل فيها:

– إذا كان الطفل لا يميز بين السلوك الجيد والسيّء: لأن الغرض من العقوبة هو أن يفهم الطفل أن سلوكه غير مناسب، فإذا نحن لمْ نَذْكُر له القواعد بوضوح ولم نخبره عن السلوك الذي يجب اعتماده، فإن العقوبة تصبح غير فعّالة .

.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَلِّمُوا وَلا تُعَنِّفُوا فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ خَيْرٌ مِنَ الْمُعَنِّفِ

قال ابن عدي عنه: ضعيف، لكن له شواهد في الصحيح

– إذا لمْ يَتِمَّ تحديدُ السلوك السيئ: بل ينبغي تنبيه الطفل إى ما فعله من خطأ، مثاله أن يقال له: “لم تكن مهذبا اليوم” أو “تصرفت بشكل سيء” وما أشبه ذلك
كذلك هنا بعض الأخطاء التأديبية التي ينبغي تفاديها، فمنها على سبيل المثال:

– معاقبة الطفل بحرمانه من نشاط ضروري لنموه السليم والمتوازن، مثل الرياضة والثقافة والترفيه، وكذلك من كل ما هو عاطفي كالعناق والقبلات.

– إذلاله من خلال السخرية منه أو من أفعاله وأقواله، بل ينبغي نقده وتعريفه خطأَهُ باحترام.

– تحميل الطفل مسؤولية خطأ غيره، مثاله العقاب الجماعي.

– استعمال قانون الانتقام، الذي قاعدته “إن تضربْني أضربْكَ”، لأن هذا يعزز السلوك العنيف غير المرغو
ب فيه.

– أن يكون العقاب على قدر غضب الوليّ، وهذا في غاية الخطورة، لأن الغضب قد يكون متضخما لأسباب أجنبية، كالتوتر في الشغل والحزن الخ، بل يجب أن تكون العقوبة متناسبةً مع خطورة الخطأ فحسب.

عن أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : لا تغضب ، فردّد مرارا قال : لا تغضب

رواه البخاري

– المعاقبة على شيء لا ارتباط له بالخطأ المرتكَب، وهذه من النقاط المهمة التي قلما ينتبه لها الأولياء، على سبيل المثال  لو رسم الطفل على الجدار، فإن أغلب الأولياء سوف يعاقبونه بمنعه مما يحبّ، كأن يُحْرَمَ من الخروج والفسحة، لكنَّ العقاب قد يكون أكثر فعاليّة وَصَلَاحًا ونفعا للجميع لو كانت له علاقة مباشرة وظاهرةٌ بالخطأ؛ كأن يُطلَبَ منه تنظيفُ الجدارمثلا.

نعم للمعاقبة، ولكن بشروط ...

بناءً على ما رأيناه آنفا فإن للعقوبة دورًا تعليميًا نافعا، لكن من الضروري الانضباطُ بثلاثة شروط:

تحذير الطفل مسبقا بما ينجر عنه عدم اتباعه للتعليمات (تحديد السلوك الجيد والسلوك السيئ وعاقبة العصيان).
المعاقبة بشكل مناسب، أي بقدر الخطأ، وليس بحسب درجة عصبيتنا
تخير العقاب ذي الطابع الإصلاحي، لأنّ العقاب الفعّال هو العقاب الذي له جانب إصلاحي للخطأ، وإذا لم يكن ممكنا فإننا نطلب منه القيام بعمل حسنٍ للتكفير عن سيئته

{قال الله تعالى : {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

هود: 114

هل علينا هجر العقاب كليا ؟

من المهم التنبيه على أنه ليس بالضرورة أن يصبح جميع الأطفال الذين يُعاقبون جسديًا أو كلاميًا عدوانيين أو صعاليك.

تلعب علاقة الوالد مع الطفل دوراً هاماً للغاية هنا؛ فإذا أُشبعت الحاجة العاطفية للطفل فإن تأثير العقوبات يُصبح معتدلاً إلى حد كبير!

آن باكوس

اختصاصية علم النفس، متخصصة في قضايا الأسرة ومؤلفة للعديد من الكتب في مجال التعليم

إذا شعر الطفل بأنه محبوب، بأن كانت لديه قاعدة عاطفية قوية، فإن هذه الأخطاء الأبوية الصغيرة التي يمكن أن تحدث لنا جميعًا تحت تأثير الغضب أو الإرهاق ستكون بدون عواقب .

All comments (1)

Add your thoughts

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

37 Shares
Share37
Tweet
Pin