كيف نتفادى نوبات الغضب والبكاء
رأينا في مقال سابق أنّ العقاب يجب أن يكون مقيّدا بشروط معينة، وأنّ العقوبات الصارمة والمُبَالَغَ فيها خطيرة ومضرة ولا جدوى منها (انظر المقال في نفس الموضوع).
يكاد متابعونا يجتمعون على أنه من الصعب تطبيق ما يسمّى بـ “التربية الإيجابية” على أرض الواقع، ويشير كثير منهم إلى أنّ المربِّي سرعان ما ينفعل ويتأثر بما يحيط به من عوامل للتوتر والقلق والضغوط..
إجابةً على هذه التفاعلات نقدم لكم في هذا المقال بعض الطرق التي من شأنها المساعدة على تفادي نوبات الأطفال وما ينجر عنها من غضب وانفعال من قبل المربي.
انطلاقا من شعار “الوقاية خير من العلاج” سوف نحاول فهم أسباب القلق وتحاشيها حتى لا نلجأ لعلاجها وتحميل الطفل عواقبها.
1-التحذير قبل كل تغيير
من الضروريّ أن نشرح للطفل مسبقاً التعليمات التي يجب احترامها ، وأن نحذره من العواقب إذا تمّرد، لأنه من الظلم أن نعاقب الطفل على أمر لم يكن يعلم أنه محضور..
على سبيل المثال: لن نعاقب الطفل لأنه يلعب الكرة داخل المنزل دون أن نُعْلِمَهُ بقوانين ومكان اللعب فور استلامه الكرة..
كذلك من المهم جدًا إشعارُ الطفلِ بتغيير النشاط مسبقا، وإمهالُهُ بعضَ الدقائق لكي يستوعب التغيير، وتفادي قدر المستطاع مقاطعة نشاطه فجأة، فإذا حان وقت الرواح نقول له على سبيل المثال: “سوف نغادر الحديقة بعد 5 دقائق حبيبي!”، جربوا هذا الأسلوب، فإنه سيوفر عليكم الكثير من الأزمات بإذن الله.
2- لتعبير عن ثقتك في طفلك :
إنّ استخدام الأقوال الإيجابية والمحفّزة مثل “أنا أعتمد عليك لتحضير مائدة الطعام” أو “أوكِّلُكَ مهمّة تنظيم المكعّبات، أعلم أنك تنجز هذه المهمّة بشكل ممتاز!” هذه الأقوال تعزز احترام الذات لدى الطفل، وسوف يسارع –في الغالب- إلى الإجابة لأنه لن يرغبَ أن يُخَيِّبَ ظنكم.
3- اقتراح أكثر من خيار :
إن من أسباب تأكيد الذات لدى الطفل جعله يحس أنه صاحب القرار، يتأتى ذلك بتخييره بين أمرين كلاهما مرضيّ بالنسبة للوليّ.
إن للطفل حاجيات كثيرة، من أهمها تأكيد ذاته، للاستجابة لهذه الحاجة نحاول قدر المستطاع تقديم خيارين أوأكثر للطفل عند أمره بشيء ما. .
الفكرة بسيطة: نقوم بتحديد هدف ما، ثم نبحث عن طريقتين مختلفتين لتحقيقه، ونسمح له بالاختيار بين هاتين الطريقتين، مثلا؛ نريد أن يرتدي طفلنا حذاءه، لذا نقدم له خيارين فنقول مثلا: “هل تريد لبسه بنفسك أم تريدني أن أساعدك؟ “، كذلك إذا أردنا أن يلبس ثيابه فإننا نعطيه لباسين ونتركه يختار.
مثال آخر: “هل تريد تنظيف أسنانك بالفرشاة من الأسفل أوَّلًا أو من الأعلى؟”، كذلك “هل تريد أن تأكل فطورك مثل الأسد أو التمساح؟””
سيُلاحظ أنه من خلال اقتراح خيارات مختلفة يتم صرف نظر الطفل من المهمّة المطلوب القيام بها إلى طريقة القيام بها فحسب، بهذه الوسيلة نضمن رضاء كلا الطرفين، فالولي راضٍ لأن الطفل استجاب وأنجز العمل المطلوب، والطفلُ كذلك راضٍ لأنه فرض اختياره ومارس سلطته.
ولا تظنَّ أنك بهذه الطريقة تخدع طفلك، بل هو مسفيدٌ في النهاية، سواء من ناحية التربية والسلوك، أو من ناحية تلبية حاجياته، وهذه الطريقة ستعطيه مساحة للاختيار بدلا من الخضوع التام لأمر وليه، وكذلك ستساعد هذه الطريقة على نموه العاطفي وتقوي تقديره لذاته.
لنتذكر دائما أن الطفل يحتاج إلى تأكيد نفسه وممارسة سلطته، تمامًا مثل الشخص البالغ، فإذا لم يُعطَ الفرصة للقيام بذلك فسيقوم بمحاولة فرض نفسه عن طريق معارضة طلبات وليه، وذلك بالصراخ والعناد وتكرار “لا !”.
4- التوافق :
ونعني بذلك مشاركة الطفل في تحديد القوانين؛ فمثلا قبل فتح التلفزيون نتفق على وضع حدٍّ زمنيٍّ معًا، كذلك في الملاهي نقوم بتعيين عدد الألعاب مسبقا، بالاتفاق.
ولا ينبغي التردد في جمع هذه الوسيلة مع النقطة الأولى، فبعد كل لعبة نذكره بعدد الألعاب المتبقية.
5- أعره كل انتباهك :
في المتجر، عندما يريد طفلك لعبة أو حلويات، فلا تكتفِ بالرفض الحازم، بل أظهر له أنك تهتمُّ باحتياجاته، على سبيل المثال؛ اقترح له تدوينَ ما يريد، وأعلمه أنه عندما تسنح الفرصة فستشتري له هديةً من قائمته.
الهدف هنا هو أخذ الوقت الكافي لفهم ما يريد الابن والاهتمام به حقًا، ومن المهم أن لا نهمل التعبير عن ذلك للطفل؛ “فعلاً هذه الحلوى تبدُو لذيذة ! ولكن انظر: إنها سيئة للغاية، تحتوي على الكثير من المنكهات والإضافات الاصطناعية..”، أو “إنها لعبة رائعة حقا ! ولكن أنظر كتب عليها (4 سنوات) هي للأطفال الصغار، يا بطلي ! “
وليُعْلَمْ أنه في بعض الأحيان قد يكفي أن نقول له “صحيح إن هذه اللعبة جميلة جدا ! اختياراتك دائما رائعة يا حبيبي! “
تجدر الإشارة إلى أنه لكي نتجنب العقوبة، لا ينبغي بأيّة حال التنازل لنزوات الطفل وشراء كل ما يطلبه، هذا يعتبر من التراخي لا من التربية، إن التربية الإيجابية لا تسعى لإزالة الحدود والقواعد، إنما تبحث في وسائل مختلفة للتوصل إلى احترامها مع إرضاء كل الأطراف.