كنت عضوا في جمعية خيريّة تساعد الفقراء والمحتاجين في المناطق الريفيّة وخلال إحدى رحلات الجمعيّة سافرت إلى منطقة ريفيّة تقع في شمال المملكة العربيّة السعوديّة، والتي كانت تتميّز بطبيعتها الخلاّبة وتقاليدها الاجتماعيّة الأصيلة وصلت إلى المنطقة، وكان ذلك في فصل الرّبيع، حيث كانت الطّبيعة في أبهى حُللها، فقد بدت الجبال شامخة خضراء، والأنهار متدفّقة، والوديان مخضرّة، وكان الهواء نقيّاً صافياً، ومليئاً بعبق الزهور. تفاجأت بجمالها الأخّاذ، كان الطقس صافيا وجميلا، تنفّست الهواء النقيّ وشعرت بالرّاحة والسكينة. كانت الجبال الشّاهقة تحيط بالقرية وكانت الأشجار الخضراء منتشرة في كلّ مكان قابلني أهل القرية بحفاوة بالغة واستقبلوني في منازلهم لقد رحّبوا بي كأحد أبنائهم فقد كانوا يتمتّعون بروح الودّ والترحاب
فتلك الابتسامات العفويّة التي ترتسم على وجوههم تعكس دفء القلوب وحبّ العيش المشترك. يتّسمون بالكرم والتعاون، حيث يعملون جميعًا كجزء لا يتجزّأ من مجتمعهم المترابط.
وقد شاركتهم في أعمالهم اليوميّة مثل الزراعة وتربية الحيوانات، وشاركت في جمع الحطب وبناء بعض الأكواخ، والمنازل هناك تتوزّع بانسجامٍ مع الطبيعة المحيطة، فتجمع بين بساطة التصميم وجمال البناء الريفي. الحقول الخضراء المتلألئة تحيط بالمنازل، حيث يعمل السكّان بجد واجتهاد في المجال الزراعيّ ورعاية الماشية،
مما يمنحهم موردًا رئيسيًا لسبل العيش. فهذه القرية تتميّز بخصوبة تربتها، مما يجعل الزراعة فيها ناجحة. فتنتج
كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية، التي تغطي احتياجات السكان، ويباع الفائض في الأسواق. تجولنا في بساتين النخيل والزيتون ورأينا المزارع الخضراء التي تمتد على مد البصر ورأينا أيضا النهر الذي يجري في وسط
القرية والذي كان يعكس أشعة الشمس في لوحة فنية رائعة. كانت تقاليد أهل القرية بسيطة وعفويّة. كانوا يحترمون ويساعدون بعضهم البعض في السرّاء والضراء، لقد تأثّرت كثيرا بأخلاقهم وقيمهم وأُعجبت بكرمهم، تحافظ تقاليد القرية على جذورها العميقة، حيث يُعتبر العيد والاحتفالات الدينية مناسبات مهمة تجمع السكان للاحتفال ومشاركة الفرحة. يُعتبر الترابط الاجتماعي جوهر الحياة، حيث يجتمع الجميع حول الطاولات لتناول الطعام وتبادل القصص والتجارب بكل تفاصيلها الساحرة وروعة حياتها الريفية، تنعكس روح العمل الشاقّ والبساطة الجميلة في أخلاق سكان هذه القرية، مما يجعلها واحة من السلام والجمال في عالم متسارع ومتغير كنت قد قضيت في تلك المنطقة عدة
أيام وخلالها تعلمت الكثير ورأيت الكثير واكتسب أصدقاء جدد فأصبحت أقدّرُ الحياة أكثر بعد الانغماس في جمال الطبيعة وروعة الحياة الريفية، ولكن حان وقت رحيلي ومفارقة هذا المكان الرائع فتبقى في الذاكرة بصمةٌ لا تُمحى. وداعًا لتلك القرية الساحرة، حيث يتراقص الهواء النقي بين أزقتها الضيقة، وتتراقص أشعة الشمس المشرقة فوق حقولها الخضراء ومع الوداع، يترك الزائر قلبه وهو مليء بالذكريات الجميلة واللحظات الثمينة التي قضاها في هذا العالم الهادئ. يبقى في الذهن طيف الضحكات الصادقة وترابط العائلات والمجتمع الواحد الذي يتسم بالترحاب والسّخاء في لحظة الوداع، تتجدد الوعود بالعودة مجددًا، فالقلب ينبض بالشوق لاستكشاف المزيد والانغماس مجددًا في عالم الهدوء والسكينة الذي يقدمه الريف بكل روعته وبساطته. وداعًا، وحتى اللقاء مرة أخرى، فالذكريات ستظلّ تتراقص بين ضفاف الذاكرة كتحفة فنية لا تنسى
بقلم آلاء بوزيرممّا تبدعه أناملنا